فصل: الفصل الثالث تشريح الأجوف وما يصعد منه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تشريح القانون (نسخة منقحة)



.الفصل الثالث تشريح الأجوف وما يصعد منه:

وكلامنا في هذا الفصل يشتمل على أربعة مباحث:

.البحث الأول تشريح العرق الصاعد من الأجوف بعد انفصاله من الكبد إلى أن يقارب القلب:

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه:
وأما الأجوف فإن أصله.
إلى قوله: ثم ينقسم إلى قسمين قسم منه عظيم يأتي من القلب.
الشرح:
الأجزاء التي تنبث من العرق الأجوف ثم جرم الكبد تخالف الأجزاء المنبثة فيه من العرق المسمى بالباب لان تلك المنبثة من الباب تشبه كما قلناه لفروع الشجرة.
وأما هذه المنبثة من العرق المسمى بالأجوف فإنها تشبه أصول الشجرة لأنها تأخذ مادة الغذاء.
أما هي منبثة فيه ويرسلها إلى غيرها كما هي أصول الشجرة.
قوله: لتجذب الغذاء من شعب الباب المتشعبة أيضًا كالشعر.
لقائل أن يقول: إن هذه الأصول وتلك الفروع لو خلقت متصلة كأنها عروق واحدة لكان ذلك أسهل من نفوذ الغذاء من مقعر الكبد إلى محدبها.
وأولى من بقاء الكبد بقية من الفضول بخلاف ما إذا كانتا متغايرتين منفصلة إحداهما عن الأخرى.
فإن الغذاء حينئذٍ إنما يصل إلى أصول الأجوف بعد أن يخرج من أفواه فروع الباب وتمتصه تلك الأصول.
وقد بقي منه شيء لا تقوى هذه الأصول على امتصاصه فيبقى محتبسًا في جرم الكبد وفضلًا فيها.
فما الحكمة في انفصال أحدهما عن الآخر وجوابه: أن الأمر وإن كان كما قلتموه إلا أن هذا الانفصال ضروري في جودة تغذية الأعضاء وذلك لأن عروق الباب إذا كانت منفصلة من عروق الأجوف بقي الغذاء في مقعر الكبد إلى أن يتم انهضامه لأنه قبل تمامًا انهضامه لا يتمكن من النفوذ في أفواه فروع الباب ولا في أفواه أصول الأجوف فلذلك تبقى في مقعر الكبد إلى أن يتم انهضامه وحينئذٍ يستعد بسبب ترققه للنفوذ في تلك الأفواه فلذلك إذا كانت هذه العروق في الكبد غير متصلة بقي الغذاء في مقعر الكبد انهضامه وحينئذٍ تجتذبه أجزاء العرق الأجوف وإنما تجتذبه لتغذية أجزاء محدب الكبد فلذلك إنما يجتذب حينئذٍ ما يصلح لتغذية تلك الأجزاء وذلك هو الدم والكيلوس والبلغم أما الدم فلأنه صالح بالفعل لتغذية محدب الكبد وأما البلغم والكيلوس فلأنهما أيضًا صالحان لذلك بالقوة أي بأن يستحيلا إلى الدموية وحينئذٍ يصلحان لتغذية محدب الكبد ويلزم ذلك أن تبقى في مقعرها ما في ذلك الكبد مما يضر ذلك المقعر ويمنع نفوذ الغذاء إلى المواضع التي هما فيها فلذلك يضطر مقعر الكبد إلى دفع هذين الخلطين وإنما يسهل دفعهما حينئذٍ إلى الجهة التي فيها المقعر لأن محدب الكبد لأجل ضيق أفواه عروقه لا يسهل اندفاع هذين الخلطين إليه لذلك فإنما يندفعان حينئذٍ من مقعر الكبد لأن أو ائل تلك الفروع المنبثة فيه من الباب اكبر سعة لا محالة من أفواه أصول الأجوف.
أما السوداء فلأجل غلظها إنما تندفع حينئذٍ من الباب لأن فروعه بقربه أو سع كثيرًا من أطراف تلك الفروع.
وأما الصفراء فلأجل لطافتها يمكن نفوذها في بعض تلك الفروع وذلك بأن يكون ذلك الفرع الذي يندفع فيه منعطفًا من داخل مقعر الكبد إلى ظاهره فلذلك تنفذ الصفراء في بعض فروع الباب إلى المرارة.
وأما السوداء فتندفع إلى الطحال ولكن من العروق المنقسمة من العرق المسمى بالباب أعني المنقسم منه من خارج الكبد ويلزم ذلك أن يكون الغذاء الواصل إلى محدب الكبد خاليًا من السوداء والصفراء المتكونتين في مقعرها وبذلك يكون الدم الواصل إلى البدن نقيًا من هذين الخلطين إلا ما يتكون منهما في محدب الكبد وهذا إنما يتم إذا كانت أصول العرق الأجوف غير قوله: وأما الصاعد منه فيخرق الحجاب وينفذ فيه وأما جواب خرق هذا العرق الصاعد للحجاب فلأنه يحتاج إلى النفوذ إلى أعالي البدن وإلى القلب والحجاب موضوع بين آلات الغذاء وآلات التنفس فلذلك إنما يتمكن هذا العرق من النفوذ إلى القلب ونواحيه بعد نفوذه إلى الحجاب وذلك بأن يخرقه نافذًا فيه.
ولا بد وأن يكون عند موضع خرقه شديد الاتصال بالحجاب إذ لو كان متبرمًا عنه ولو بقدر يسير لكان النفس يخرج من الخلل الذي بينهما وينفذ إلى آلات الغذاء وذلك فيه ضرر عظيم.
ولكان أيضًا ما يسيل إلى داخل الصدر من القيح وغيره ينفذ في ذلك الخلل إلى آلات الغذاء فلذلك احتيج أن يكون التحام هذا العرق بالحجاب في موضع خرقه له شديدًا وإنما يتمكن من ذلك إذا خرجت منه أجزاء تنبث في جرم الحجاب وأقل ذلك عرقان كل واحد منهما من جانب وبذلك يشتد التحام هذا العرق بالحجاب.
قوله: ثم يحاذي غلاف القلب فيرسل إليه شعبًا كثيرة تتفرع كالشعر. أما نفوذ هذه الشعب إلى غلاف القلب فلأجل تغذيته.
وأما أن هذه الشعب يجب فيها أن تكون شعرية فلأن هذا الغلاف يحتاج أن يكون جرمه كثير الشحم ليمد القلب بالدهنية فلا يعرض له جفاف لأجل حرارته ويبوسة جرمه مع دوام تحركه ومادة الشحم كما علمت هي مائية الدم فلذلك يجب أن يكون الغذاء الواصل إلى هذا الغلاف كثير المائية وإنما يمكن ذلك بأن تكون العروق التي تنفذ فيها شعرية حتى يمتنع نفوذ الدم الغليظ والمتين فيها وها هنا سؤال ينبغي أن نحقق الكلام فيه: وهو أنه للقائل أن يقول: ما السبب في أن العرق الخارج من القلب إلى غيره من الأعضاء عند أول خروجه منه تنفصل منه شعبتان إحداهما تستدير حول القلب وتنبث في أجزائه والأخرى تنفذ إلى البطن الأيمن وأما الكبد فإن العرق الخارج منها إلى الأعضاء الأخر لا ينفصل منه شيء يتفرق في أجزائها وجوابه: أن سبب ذلك أن العرق الخارج من القلب إلى الأعضاء فائدته إفادة الروح للأعضاء والحياة وهذا العرق إنما يخرج من البطن الأيسر من القلب.
وهناك الروح الحيواني فلو لم تنفصل من ذلك العرق ما ينفذ إلى بقية أجزاء القلب لكانت تلك الأجزاء تخلو من الروح وعن قوة الحياة.
وأما العرق الخارج من الكبد فإن فائدته إيصال الغذاء إلى جميع الأعضاء.
والغذاء إنما يصل إلى هذا العرق بعد عمومه لأجزاء الكبد كلها وذلك من الأجزاء المتفرقة منه ومن الأجزاء المتفرقة من الباب ولذلك تكون جميع أجزاء الكبد مستغنية عن غذاء ينفذ إليها من عرق ينفصل من هذا العرق الأجوف وقد عرفت مما سلف أن رأي جالينوس أن الأوردة جميعها تنبت من الكبد وأن الشرايين تنبت من القلب وأن العصب ينبت من الدماغ أو النخاع.
والمشهور عن أرسطوطاليس أن هذه جميعها تنبت من القلب ومذهب الرئيس ابن سينا تجويز كل واحد من هذين المذهبين مع جواز أن يكون شيء من هذه ينبت من عضو.
وأما الحق الذي ذهبنا إليه فهو أنه ليس شيء من هذه يجوز البتة أن ينبت من عضو وأنها لها أسوة بباقي الأعضاء في أنها تتكون ابتداء من غير أن تكون نابتة من شيء من الأعضاء.
وأما ساسينوس القبرصي فقد قال: إن مبادئ نبات العروق جميعها من ناحية العينين والحاجبين ثم ينحدر عرقان يمنة ويسرة.
وقد قال ديباجانس: إن أصل العروق عرقان يبتدئان من البطن ثم ينحدران ويصعدان ولم يشرح هو كيفية ذلك.
وقال: إن العرقين يرتفعان إلى فوق إلا شعبتين منهما دقيقتين فإنهما ترسلان إلى الكبد وإلى الطحال وعرقان آخران يبتدئان من خرز الظهر يتيامن من أحدهما ويتياسر من الآخر ويمضي اليمين إلى الكبد واليسار إلى الطحال وكل واحد منهما يتشعب في يد ومنهما الكتفي والإبطي ثم إنه يطول في قسمة ذلك بما لا فائدة.
وأما بولونيوس فإنه جعل مبدأ العروق من أزواج أربعة: زوج من خلف الرأس إلى العنق من خلف إلى اسفل.
وزوج آخر من الرأس والدماغ عند الأذنين ثم إلى الفقار والظهر وجعل مبدأ العروق جملة هو الرأس والدماغ.
وقال الإمام أبقراط: والعروق الغلاظ التي في البدن على هذه الصفة.
وهي أربعة أزواج: أحدها: يبتدئ من مؤخر الرأس وينحدر على الرقبة من خارج ويمتد على جنبي عظم الصلب إلى أن يبلغ إلى الوركين والرجلين ثم ينحدر من هناك على الساق إلى أن يبلغ الكرسوع والقدمين من خارج فقد ينبغي لمن أراد فصد العرق في أو جاع الخاصرتين والأنثيين أن يفصد العرق الذي يظهر تحت الركبة والعرق الذي على الكرسوع من خارج.
وأما الزوج الثاني: فيبتدئ من الرأس وينحدر إلى جانب الأذين على الرقبة من داخل ويمتد على جنبتي عظم الصلب ويسمى هذان العرقان الأوداج إلى أن يبلغ الخواصر ثم ينقسم من هناك في الانثيين ويمتد أيضًا على الجانب الداخل من مأبض الركبة ثم على الساقين إلى أن ينتهي إلى الكرسوع والقدمين من داخل فقد ينبغي لمن أراد فصد العرق في أجزاء الخاصرة والانثيين أن يفصد العرق الذي يظهر تحت الركبة والعرق الذي على الكرسوع من داخل.
وأما الزوج الثالث: فيبتدئ من الأصداغ وينحدر إلى الرقبة تحت الأكتاف ثم يصير من هناك إلى الرئة ويمتد العرق منه إلى الجانب الأيمن ثم إلى الجانب الأيسر تحت الثدي إلى أن يصل إلى الطحال والكلية اليسرى ويمتد الذي في الجانب الأيسر من الرئة إلى الجانب الأيمن تحت الثدي إلى أن يصل إلى الكبد والكلية اليمنى وأطراف هذين العرقين تنتهي عند طرف المعاء المستقيم.
وأما الزوج الرابع: فيبتدئ من مقدم الرأس من ناحية العينين على الرقبة والترقوتين من كل جانب ثم يصير من هناك ممتدًا على العضد إلى المأبض من كل واحدة من اليدين ثم من هناك إلى الساعدين والكتفين والأصابع ثم يمتد من الأصابع أيضًا على الذراع إلى المأبض ويمتد على الجانب الداخل من العضد ثم يمر على الأضلاع من خارج فيأتي عرق واحد منها إلى الطحال والعرق الآخر إلى الكبد ثم يمتد على البطن من خارج إلى أن ينتهي إلى الفرج ثم ينقضي فعلى هذا يكون منشأ العروق الغلاظ.
وفي البدن عروق كثيرة مختلفة في الجنس منشؤها من البطن تؤدي الغذاء إلى جميع البدن.
وقد يصير أيضًا الدم من العروق إلى جميع البدن ويتأدى من العروق التي في ظاهر البدن والعروق التي في باطنه بعضها إلى بعض فيصير من العروق التي من خارج إلى التي من داخل إلى التي من داخل وإلى التي من خارج.
وقد شنع جالينوس وأفرط ولم يفهم أن غرض أبقراط من هذا إنما هو بيان امتداد العروق التي تفصد لأنها تنبث من هذه المواضع.
وقد بسطنا الكلام في ذلك عند شرحنا لكتاب طبيعة الإنسان فلترجع إليه هناك.
والله ولي التوفيق.